Thursday 11 October 2012

التحول من مفهوم الاحسان الى مبدأ الحقوق




حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة والثورة
التحول من مفهوم (الاحسان) الى مبدأ ( الحقوق)
د.شهرزاد الجندي

تعود جذور التزام المجتمع الدولي بالنهوض بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وإدماجهم في المجتمع والتنمية إلى أهداف الأمم المتحدة وبشكل خاص تلبية نداء ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية، وكرامة الفرد وقدره، ورفع المستويات المعيشية في ظل مزيد من الحرية. وقد كانت  اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، التي اعتمدتها الجمعية العامة بالإجماع في عام 2006 أداة لحقوق الإنسان وللتنمية.  وتمثل هذه الاتفاقية التزام المجتمع الدولي بإدماج منظور الإعاقة والأشخاص ذوي الإعاقة في جميع جوانب المجتمع والتنمية.

خلال الثورات العربية طالب شباب الثورة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، واتجهت المطالبات في الدول العربية في معظمها نحو إعادة بناء النظام السياسي ليتحول إلى نظام ديمقراطي تعددي يقيم الدولة المدنية على أساس المواطنة والدستور والقانون، ويحقق للمواطنين المساواة والعدالة، ويوفر لهم الحرية والفرص المتكافئة على مختلف المستويات. هذا يعني بشكل واضح ان حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة هي جزء أساسي من النظام الجديد الذي نطالب به.

وعندما نتحدث عن نظام جديد أو دولة جديدة تعتمد مصلحة الوطن أو المواطنين  تكون فيها المساواة والعدالة والكرامة والحرية للجميع، فنحن نعني بذلك كل المواطنين بدون استثناء، بما في ذلك كافة الاشخاص ذوي الاعاقة.


ان مفهوم الثورة  الذي ينطلق نحو التغيير لبناء دولة الحق والقانون هو فرصة للفئات المهمشة في وطننا لتطالب بحقوقها كاملة بهدف ادماجها في كافة السياسات والبرامج الوطنية والتأكيد ان حقوقها جوهرية وأساسية في دولتنا الجديدة.

الأشخاص ذوو الإعاقة يجابهون تمييزاً وإقصاءً في ممارستهم للحقوق والحريات نفسها المقررة للكافة البشر، لذلك من الضروري العمل على  تغيير أنماط السلوك وترسيخ ثقافة التنوع وقبول الآخر ومكافحة الوصمة الاجتماعية حول الإعاقة.  ولكن مجرد  الاعتراف بالحقوق والاعتراف بالتنوع لا يكفي لاننا نحتاج الى اعادة النظر في رؤيتنا لقضية الاعاقة بشكل عام،  نريد ان نغير ما بداخلنا وان نغير قناعاتنا لا  ان نتظاهر بأننا مع حقوق الانسان للجميع وبأننا نعترف بالمساوة . ما نحتاجة  فعليا هو التحول نحو نظرة جديدة تعتمد  مقاربة تنموية لقضية الاعاقة، نظرة تؤكد على ان الاعاقة قضية حقوق انسان بالدرجة الأولى وليس قضية طبية او انسانية او خيرية تعتمد مبدأ الشفقة والاحسان عوضا عن مبدا الحق والقانون.

نريد الابتعاد عن (البعد الصحي)  الذي يتعامل مع قضية الاعاقة على انها (قضية طبية بحته)  وأن الشخص ذوي الاعاقة هو شخص (مريض). .نريد ان نعتبر قضية الاعاقة ( قضية حقوق).  نريد ان نزيل كل الحواجز بهدف (نعزيز  المشاركة الكاملة والمتساوية في المجتمع)، نريد في دولتنا الجديدة ان يكون الاشخاص ذوي الاعاقة مدمجين في كافة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ..نريد حقوقهم كاملة ..الثورات فرصة للجميع لادماج حقوقهم كاملة في كل السياسات والاستراتيجيات والبرامج والمشاريع والخطط.


ما نريده من ثوراتنا هو الارتقاء  الى مستوى اكثر تقدما في النظر الى  الاشخاص ذوو الاعاقة لا بصفتهم (موضوعا) للاحسان، والعلاج الطبي، والحماية الاجتماعية، بل بصفتهم (اصحاب حقوق يمكنهم المطالبة بها).


ولكن ما هي الآليات التي ستساعدنا على اقناع المجتمع بأن موضوع الاعاقة هو موضوع حقوق بالدرجة الأولى وبأننا يجب ان يكون جزءا من أي برنامج سياسي مستقبلي.  بالدرجة الاولى يجب التركيز على توعية المجتمع بشأن حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، ونحتاج الى كسر القوالب النمطية التي تعودنا ان ننظر للاشخاص ذوي الاعاقة من خلالها. هدفنا هو تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من العيش في استقلالية والمشاركة بشكل كامل في جميع جوانب الحياة.  وتغيير نظرة المجتمع نحو الاشخاص ذوي الاعاقة من (الشفقة والاحسان) الى (الحقوق). إن الإعلام مطالب بتبني لغة حقوقية قوامها تحقيق المساواة وتحييد الإعاقة والبعد عن تكريس النهج الرعائي الوصائي. فالتمتع بالحقوق لا يكون بتوفير الرعاية والعناية، وإنما بتحقيق المساواة واحترام الاستقلالية الفردية والخصوصية للشخص

ففي قرارة نفسنا ما زلنا ننظر احيانا كثيرة الى الاعاقة بصفتها جوهر الشخص المعني، فنرى فيه (الاعاقة أو العجز) أو النقص في القدرات فقط (فهو يحتاج الى الرعاية) ولا نرى القدرات التي يتمتع بها (وان كانت هذه القدرات أكثر بكثير من الاعاقة).   لذا يجب ان نتعلم كيف يجب ان ننظر الى الشخص ذوو الاعاقة من منظور القدرات التي يتمتع بها (وهي النظرة التي يجب ان تعتمد في النظر الى الجميع)، ومن منظور ( الحقوق) الذي يعتمد المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص للجميع ...

ان ما نريد التركيز عليه في ثورتنا هو فكرة محورية أساسية  وهي التساوي في الحقوق والحريات الاساسية كلها دون استثناء. اي اننا نرفض ان ينتج عن وجود الاعاقة اي انتقاص في حقوق الانسان وفي انسانية الانسان. فاي برنامج سياسي بعد الثورة يجب ان يعتمد على حقوق الانسان للجميع بدون استثناء. يكون فيها تركيزا على احترام كرامة الأشخاص المتأصلة واستقلالهم الذاتي بما في ذلك حرية تقرير خياراتهم بأنفسهم واستقلاليتهم؛ وعدم التمييز؛ وكفالة مشاركة وإشراك الأشخاص ذوي الإعاقة بصورة كاملة وفعالة في المجتمع؛ واحترام الفوارق وقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري والطبيعة البشرية.



No comments:

Post a Comment