الدكتورة
شهرزاد الجندي
3
كانون الأول 2012
-1-
"التقيته
شاب في العشرين من العمر.. كان مستلقيا او متكورا في السرير راسه على مخدة، شدتني
ابتسامته سألته كيف اصبت (قال طلق ناري في الرقبة.. ثم تحدث بصوت خفيف والابتسامة
مشرقة في وجهه) قال أنا من الجيش السوري الحر واصبت اثناء المعركة في حمص ..
الاصابة في الرقبة وانا كلي مشلول.. لا استطيع الجلوس او التحرك او حتى من رفع
رأسي... كان ما يزال يبتسم وهو يقول الحمد لله... قلت له كيف وصلت الى عمان؟ قال بعد ان وصلنا الى درعا حملوني أربعة أشخاص
لمدة 8 ساعات حتى وصلت لهنا... قلت له هل لديك احتياجات طلبات أي شيء ممكن للمساعدة...(قال
أريد الحرية وبس .. رغم اني سأسجن في جسدي مدى الحياة لكن اريد حرية سورية)
...هؤلاء الابطال .... لا تزال ملامح وجهه وابتسامته في ذاكرتي لا تفارقني ... وجه
الملائكة الذي سكن روحي مدى الحياة"
*****
-2-
"شاب
رائع، وسيم الوجه شخصيته قوية (وهو يعرف ذلك جيدا) من حمص الأبية ... اصيب في
العامود الفقري وفقد القدرة على المشي ... حبيته من النظرة الأولى ...شدني بقوة اليه... يمكن لمحة الذكاء القوية في عينيه .. وربما
الألم الذي يحاول ان يخبئه .... نبرة صوته وتشنجها تشعرك بأنه يشعر بالغضب ..عندما
تحدثت اليه اعترف انه غاضبا ..نعم غاضبا من الاشخاص الذين يأتون اليهم ويتصورون
معهم ويعدوهم بالعلاج والدعم وفجأة يختفون ... فقد الثقة بالكل ولديه قناعة بأن
هناك الكثير من التبرعات تعطى لهم ولكن هناك من يستغلهم ويشحد عليهم، وتختفي كل
انواع التبرعات ولا يرونها ... كان قياديا ويتكلم باسم المجموعة ..لا يريدون ان
يشحد عليهم احد.. ولا يريدون الشفقة من
احد... ولا يريدون ان يستغلهم أحد ... نعم انهم جرحى الحرب السورية... الأشخاص ذوي
الاعاقة الجدد .. لكنهم يريدون ان يستمروا بالحياة من اجل سورية .... يريدون ان
يتعلموا أشياء جديدة يمكنهم القيام بها من اجل سورية ....انهم لا يريدون الشفقة من
احد .... كانت رسالة للجميع .. حتى لي شخصيا ...
وتفهمت ذلك جيدا لأنني عشت نفس الاحساس قبلهم"
*****
-3-
"قصص
بطولة رائعة .. شاب من درعا متزوج ولديه طفلان أصيب اثناء التظاهر من قناص ....
فقد القدرة على المشي كليا، شلل كامل... كلما
تحدثت معه أسأله عن اعاقته كان يرد ( زوجتي صغيرة ولدي طفلان صغيران) بعد الاصابة
تم نقله الى احد البيوت ومن بيت الى بيت الى المستشفى التي رفضت استقباله ..كان من
الممكن علاجه ولكن لم يتمكن من ذلك احد، ارسل الى مستشفى ميداني امكانياتها ضعيفة
جدا وليس لديهم القدرة لإجراء عمليات جراحية . ..وبقيت الرصاصة في جسمه ... اعود لأسئلة
عن احتياجاته (يقول لدي طفلان صغيران.. كيف سيعيشون .. كيف سأعمل وماذا سأعمل وكيف
سأصرف عليهم وكيف سيعيشون وكيف وكيف وألف كيف) لم اعرف الاجابة قلت له لن ننساهم
وان الكل سيساعد، قال لا أريد شفقه من احد ... هل سيكون لنا برنامج مستقبلي لتوفير
الحماية الاجتماعية لأسر ذوي الاعاقة ليشعروا بالأمان .. سؤال موجه الى الائتلاف
الوطني .... هل سيكون لدينا سياسات للحماية الاجتماعية لضمان عائلات الشهداء
والجرحى والمعاقين؟"
*****
-4-
"شدتني
ابتسامته وذقنه وأسنانه البيضاء ... وجه ملائكي اظنه في التاسعة عشر من عمره ..من
سقبا ...سألته بكل سذاجة أين تقع سقبا .....نظر الي بعتب سقبا لا تعرفين اين ..هل
انت سورية؟ قلت له ايه انا من حمص؟ ضحك وقال (حمصية) قلت له ايه حمصية شو اعمل،
فشرح لي اين سقبا وماذا تعني سقبا بالنسبة للثورة السورية ... قلت له انت من الجيش
الحر؟ نظر الي نظرة شك وهو لا يثق بي اعتقد ... قلت له لا تخاف انا هنا لأساعدك
معقول تخاف مني فلتلك اني (حومصية) وقلدت اللهجة الحومصية التي لا اتقنها ...قال
نعم، سألته هل يعرف اهلك انك في عمان ..قال البارح عرفوا ...كانوا يعتقدون اني
احارب ... طلق ناري في الظهر وحالة شلل كاملة ... قلت له وانا اضع يدي على رجله
والتي دفشها بسرعة (حيث هو متدين ويجب ان لا تلمسه امرأة) سامحني لم اعلم ... ثم
صرنا نتحدث ..تحدث عن المعركة البطولية وكيف اصيب وكيف انقذ وكيف لا يوجد اسعاف
والامكانات الطبية الضعيفة وعدم قدرة المشافي الميدانية على اجراء العمليات الجراحية
وعدم توفر وسائل الاسعاف وكيف تنقل من بيت الى بيت الى بيت حتى وصل لدرعا وكيف تم
تهريبه وهو محمول على الأكتف ...حكينا كثير سألته ماذا تريد ...قال اخاف على أمي
فأنا وحيدها ..أخاف ان تموت من الحزن "
******
-5-
بطل
من درعا اصيب اثناء عملية نوعية كما قيل لي وتم تصويرها وتوثيقها كان يمزح ويضحك
كثيرا .. ويضع طاقية صوف على رأسه (أراد ان يعطيني طاقيته) وقال انها طاقية
الاعاقة احضرها لنا احد الأشخاص هدية لنا كلنا وكانوا حوالي عشرة أشخاص في الغرفة
.. وكلهم لديهم نفس الطاقية وصاروا يضحكون بصوت عالي ... صرت اضحك معهم كانوا
يحاولون المزح والضحك لتخبأه ما يشعرون به... يمكن في البداية تضايقوا من وجودي
اعتقدوا اني من الذين يأتون للتفرج والتصور معهم ... شعرت برغبة قوية للبكاء ولكني
(بلعتها) كما نقول لأولادنا عندما يريدون ان يبكوا (ابلعها) نعم بلعت البكاء
وتظاهرت بالقوة ثم شعرت انني يجب ان اعرفهم على نفسي حكيت لهم عن عملنا واهدافنا
وخططنا (جمعية حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة، سورية).. نظروا لي بشك.. قلت لهم اذا
انتم لا تريدون المساعدة فهذا حقكم ولكن ليس من حقكم ان تمنعوها عن بقية الاشخاص
ذوي الاعاقة نريد مساعدتهم واريدكم معي ان تساعدوهم اريدكم الانضمام للجمعية
لتكوني انتم أصحابها واصحاب القرار فيها لآنكم تعرفون اكثر من أي شخص فيها عن
الاحتياجات واساليب الدعم ...ضحكوا لم يصدقوني ..لكن بعد يومين ارسلوا لي رساله
يعتذرون فيها ويطلبون زيارتي مرة اخرى ..
*****
-6-
"طفلا
صغيرا ..كان يقطع الشارع لشراء الخبز في حمص، اصابته طلقة قناص في ظهره (طلب مني
ان لا أتصور معه حتى ما يخانقوه أهله) اصيب بشلل... كان يجلس مع مجموعة الشباب
وبحضنه اللاب توب يتظاهر بأنه لا يسمع الحديث .. جاء المسؤول عن المنزل وهو شاب
قبضاي من باب عمرو (كان قد فقد كل اهله حيث تم قتلهم) وكان يمزح معي يقول لي (انا
مو معاق لكني يتيم )...هو يقوم بمساعدتهم على النظافة والطعام وحتى يأخذهم
بالسيارة ويجول بهم في شوارع الاردن... قال للطفل خلص (اترك اللاب توب وانتبه
للدكتورة) قلت له لا اتركه على حريته، (اعتقد انه كان يخاف من النظام رغم انه في
الاردن لكن كان اهله وصوه ان لا يتكلم في السياسة) .. شب صغير رائع لا يفهم ما
يدور حوله وهو المدلل بالقاووش كما يسمونه "
*****
-7-
"لم
يتكلم معي... جلست بقربه على السرير ..لم يكن هناك مكان آخر لأجلس ...كان مرشح
ويعطس بقوة ..قلت له لازم تروح على الدكتور ... قالوا لي انه اول شب انشق من الجيش
في حمص وان شجاعته كبيرة جدا لآنه في تلك الفترة لم تكن فكرة الانشقاق موجوده عند
الشباب وكانت تتطلب شجاعة كبيرة في بداية الثورة ...المهم انه انشق وقاتل مع الجيش
الحر وعاش كل الحروب في حمص وباب عمرو ..بطل من الابطال المعروفين على صعيد الثورة
...كان ينظر لي ويزورني أعتقد انه كان منزعجا انني اجلس على سريره (ولكن لم يكن
هناك مكان آخر) وقفت... تكلمت معه ..كان ينظر لي وهو منزعجا ..حتى الآن اذكر
نظراته ... لم يرد علي تجاهلني ...ثم ترك الغرفة وذهب ..هو يمشي على عكازات خشبية
بصعوبة ولكنه اختار ان يترك الغرفة ...بعد ذلك شرح لي اصدقاءه بأنه يتضايق من
الضيوف والأسئلة وانه تعب من الزوار وخاصة من المزح والضحك ...هو ما يزال يعيش
الثورة وما زال يعيش حرب التحرير وبطولات باب عمرو .... "
*****
-8-
"امرأة
متقدمة في السن، هدم المنزل على كل أهلها وعائلاتها وجيرانها وتم انقاذها لوحدها
(ولكن تم انقاذها بدون رجليها) تم بترهم من الأعلى...رأيتها منذ فترة وهي تصرخ
وتصرخ وتصرخ وكأنها قد فقدت عقلها....تصرخ وتصرح تبحث عن رجليها ..تصرخ وتبحث عن
أهلها ..تصرخ وتبحث عن أولادها ...تصرخ وتبحث عن أصدقاءها ..تصرخ وتبحث عن جيرانها
.... لم تجد احدا ...تصرخ لم تجد سوى نصف جسد ...تصرخ ولا تصدق .... مرت الأيام
وزرتها مرة اخرى ....وما زالت تصرخ لا تصدق ما حصل ...لكن الصراخ اختلف ...حيث
كانت تقول (الله ينتقم منك يا بشار) وتكرر ذلك طوال الوقت ويسمع صدى صوتها كل
نزلاء المستشفى..."
********
أحاول
ان ادون قصصهم ... اعداد كبيرة في الاردن وحدها 500 شخص ذوي اعاقة ويمكن اكثر
بكثير هؤلاء الذين نعرفهم وسنحاول توثيق حالاتها ومساعدتهم ...ولكن المنظمة الدولية
قالت لنا هناك بين 200-300 الف شخص ذو اعاقة دائمة مدى الحياة نتيجة الحرب السورية
..ما العمل ومن سيساعد هذه الجيش الجديد من الاشخاص ذوي الاعاقة؟ قال المسؤول في
المنظمة (ان موضوع الاعاقة ما يزال موضوع سري لا يتكلم عنه أحد .. موضوع نعتم عليه
.. ويجب ان تخرج هذه القصص الى الضوء) .. يجب
ان يعرف العالم ماذا يحصل في سورية ..كيف يقتل شبابنا والعالم يتفرج .... شبابنا
ورودا وكل واحد منهم قد يكون ابنك ..ساعدونا لنقل هذا الموضوع من العتمة الى الضوء
...
No comments:
Post a Comment